النقد الثقافى العربى فى الفضاء المعلوماتى
المدونات المصرية نموذجا
كتب السيد يسين عضو مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
محاولة لاكتشاف قارة التدوين المجهولة
حين بدأت مسيرتى مع الانترنت منذ سنوات بعيدة حرصت على أن أنفذ الى مواقع متعددة تنتمى الى مجالات مختلفة فى العلوم الاجتماعية و الانسانية .
تعددت جولاتى على الشبكة العنكبوتية كما يطلق عليها و زرت مواقع فى ميدان التاريخ و الفلسفة و الاقتصاد و علم الاجتماع و علم السياسة و العلاقات الدولية .
كانت هذه الجولات أشبه بدراسة استطلاعية الغرض منها الدراسة المنهجية لهذا الميدان الصاعد فى مجالات الاتصال باعتباره نمطا غير مسبوق فى تاريخ البشرية .
غير أننى بعد فترة أغلقت باب الدراسة الاستطلاعية للانترنت بعد أن أكتسبت معرفة كافية بطبيعتها و امكاناتها و قدرتها أن تمنح الباحث العلمى - أيا كان تخصصه - القدرة على النفاذ الى مجالات معرفية متعددة و بصورة مترابطة لم تكن متاحة له من قبل من خلال " النص الجامع" Hypertext و الذى يتضمن اشارات مرجعية متعددة على المستوى الأفقى و على المستوى الرأسى على السواء بصورة تسمح بانتاج قراءة متعمقة لمشكلة البحث التى يتعرض لها الباحث .
و بحكم اهتماماتى كباحث فى علم الاجتماع اكتشفت مبكرا تبلور علم اجتماعى جديد هو " علم اجتماع الفضاء المعلوماتى " Cyber Sociology
و هو العلم الناشىء الذى تخصص فى الدراسة السوسيولوجية للانترنت من كل النواحى و لذلك هو يدرس فئات المستخدمين للشبكة و أنماط شخصياتهم و المواقع التى يزورونها و موضوعات اهتماماتهم الى غير ذلك من موضوعات .
و أذكر أننى منذ سنوات قرأت على الشبكة أبحاثا متعددة فى مجال علم الاجتماع و علم الأنثروبولوجيا ركزت على شبكة الانترنت غير أن هذا النمط الاتصالى العالمى البازغ سرعان ما نشأت فى رحابه صور جديدة من الاتصال أطلق عليها " المدونات " Blogs و هى مواقع ينشأها أفراد و يحررون فيها موضوعات متنوعة قد تكون تحليلات سياسية أو انطباعات شخصية أو ابداعا أدبيا نثريا أو شعريا . و أصبح يطلق على هؤلاء الذين ينشئون هذه المواقع " المدونون " Bloggers و اتسع نطاق التدوين و انتشر فى العالم كله باعتباره فضاء عاما Public sphere جديدا تمام الجدة لأنه يتم فى العالم الافتراضى Cyber Space من دون رقابة من أحد . و من هنا يستطيع المدونون ان يمارسوا حريتهم كاملة فى التفكير و التعبير معا.
و اذا كان التدوين فى سياق مجتمعات ديمقراطية عادة ما يستخدم للتعبير عن الذات فى المقام الأول و ليس للتعبير عن أراء سياسية باعتبار أن المنابر الاعلامية مفتوحة - و ان كان ذلك نظريا - لكل من يرغب فى التعبير عن رأيه السياسى الا أن التدوين فى الولايات المتحدة الأمريكية تحول ليكون منبرا سياسيا للآراء المعارضة للادارة الأمريكية و خصوصا فى عهد الرئيس جورج بوش فيما يتعلق أساسا بحربه ضد العراق و النتائج المأساوية التى ترتبت عليها و خصوصا بالنسبة للشباب الأمريكى المجند و الذى سقط منه فى ساحات المعارك العسكرية الآلاف و جرح و شوه ألاف أخرون .
و قد أنشأت الادارة الأمريكية شبكة خاصة Centcom لرقابة المدونات الامريكية بل خصصت أيضا فريقا من الرقباء لملاحقة المدونين الذين يهاجمون السياسة الأمريكية فى العراق و هذه الشبكة الدعائية التى أنشأتها الادارة الأمريكية تنشىء مواقع تقدم قصصا ايجابية عن الحرب ضد الارهاب و كيف أن العراق بعد الغزو الأمريكى أصبح بلدا محررا و يتمتع بديمقراطية رائعة !
و هكذا تمضى " ثقافة الخداع " فى واشنطن كما أطلق عليها السكرتير الصحفى السابق للرئيس بوش فى كتاب له صدر أخيرا و أثار ضجة كبيرة فى طريقها لتزييف الحقائق.
غير أن الذى يهمنا فى هذا المجال أن نشير الى أن هامش التسامح مع المدونات و المدونين فى الولايات المتحدة الأمريكية أصبح ضيقا بعد أن اتجهت بعض المدونات الى النقد السياسى الصريح و العنيف .
و أيا ما كان الأمر فيمكن القول ان موجات التدوين المتدفقة فى العالم وصلت الى شواطىء العالم العربى . و هكذا ظهرت مدونات عربية متنوعة و برز مدونون عرب ينتمون الى ايدولوجيات سياسية شتى فمنهم اسلاميون و قوميون و ليبراليون كما أن المدونات العربية - مثلها فى ذلك مثل المدونات الغربية - تنوعت أشكالها و تعددت أنماطها و تراوحت بين التعبير عن المشاعر الذاتية و التحليلات السياسية من ممارسة النقد العنيف للأنظمة السياسية العربية السلطوية الى الثورة .
المدونات المصرية نموذجا
كتب السيد يسين عضو مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
محاولة لاكتشاف قارة التدوين المجهولة
حين بدأت مسيرتى مع الانترنت منذ سنوات بعيدة حرصت على أن أنفذ الى مواقع متعددة تنتمى الى مجالات مختلفة فى العلوم الاجتماعية و الانسانية .
تعددت جولاتى على الشبكة العنكبوتية كما يطلق عليها و زرت مواقع فى ميدان التاريخ و الفلسفة و الاقتصاد و علم الاجتماع و علم السياسة و العلاقات الدولية .
كانت هذه الجولات أشبه بدراسة استطلاعية الغرض منها الدراسة المنهجية لهذا الميدان الصاعد فى مجالات الاتصال باعتباره نمطا غير مسبوق فى تاريخ البشرية .
غير أننى بعد فترة أغلقت باب الدراسة الاستطلاعية للانترنت بعد أن أكتسبت معرفة كافية بطبيعتها و امكاناتها و قدرتها أن تمنح الباحث العلمى - أيا كان تخصصه - القدرة على النفاذ الى مجالات معرفية متعددة و بصورة مترابطة لم تكن متاحة له من قبل من خلال " النص الجامع" Hypertext و الذى يتضمن اشارات مرجعية متعددة على المستوى الأفقى و على المستوى الرأسى على السواء بصورة تسمح بانتاج قراءة متعمقة لمشكلة البحث التى يتعرض لها الباحث .
و بحكم اهتماماتى كباحث فى علم الاجتماع اكتشفت مبكرا تبلور علم اجتماعى جديد هو " علم اجتماع الفضاء المعلوماتى " Cyber Sociology
و هو العلم الناشىء الذى تخصص فى الدراسة السوسيولوجية للانترنت من كل النواحى و لذلك هو يدرس فئات المستخدمين للشبكة و أنماط شخصياتهم و المواقع التى يزورونها و موضوعات اهتماماتهم الى غير ذلك من موضوعات .
و أذكر أننى منذ سنوات قرأت على الشبكة أبحاثا متعددة فى مجال علم الاجتماع و علم الأنثروبولوجيا ركزت على شبكة الانترنت غير أن هذا النمط الاتصالى العالمى البازغ سرعان ما نشأت فى رحابه صور جديدة من الاتصال أطلق عليها " المدونات " Blogs و هى مواقع ينشأها أفراد و يحررون فيها موضوعات متنوعة قد تكون تحليلات سياسية أو انطباعات شخصية أو ابداعا أدبيا نثريا أو شعريا . و أصبح يطلق على هؤلاء الذين ينشئون هذه المواقع " المدونون " Bloggers و اتسع نطاق التدوين و انتشر فى العالم كله باعتباره فضاء عاما Public sphere جديدا تمام الجدة لأنه يتم فى العالم الافتراضى Cyber Space من دون رقابة من أحد . و من هنا يستطيع المدونون ان يمارسوا حريتهم كاملة فى التفكير و التعبير معا.
و اذا كان التدوين فى سياق مجتمعات ديمقراطية عادة ما يستخدم للتعبير عن الذات فى المقام الأول و ليس للتعبير عن أراء سياسية باعتبار أن المنابر الاعلامية مفتوحة - و ان كان ذلك نظريا - لكل من يرغب فى التعبير عن رأيه السياسى الا أن التدوين فى الولايات المتحدة الأمريكية تحول ليكون منبرا سياسيا للآراء المعارضة للادارة الأمريكية و خصوصا فى عهد الرئيس جورج بوش فيما يتعلق أساسا بحربه ضد العراق و النتائج المأساوية التى ترتبت عليها و خصوصا بالنسبة للشباب الأمريكى المجند و الذى سقط منه فى ساحات المعارك العسكرية الآلاف و جرح و شوه ألاف أخرون .
و قد أنشأت الادارة الأمريكية شبكة خاصة Centcom لرقابة المدونات الامريكية بل خصصت أيضا فريقا من الرقباء لملاحقة المدونين الذين يهاجمون السياسة الأمريكية فى العراق و هذه الشبكة الدعائية التى أنشأتها الادارة الأمريكية تنشىء مواقع تقدم قصصا ايجابية عن الحرب ضد الارهاب و كيف أن العراق بعد الغزو الأمريكى أصبح بلدا محررا و يتمتع بديمقراطية رائعة !
و هكذا تمضى " ثقافة الخداع " فى واشنطن كما أطلق عليها السكرتير الصحفى السابق للرئيس بوش فى كتاب له صدر أخيرا و أثار ضجة كبيرة فى طريقها لتزييف الحقائق.
غير أن الذى يهمنا فى هذا المجال أن نشير الى أن هامش التسامح مع المدونات و المدونين فى الولايات المتحدة الأمريكية أصبح ضيقا بعد أن اتجهت بعض المدونات الى النقد السياسى الصريح و العنيف .
و أيا ما كان الأمر فيمكن القول ان موجات التدوين المتدفقة فى العالم وصلت الى شواطىء العالم العربى . و هكذا ظهرت مدونات عربية متنوعة و برز مدونون عرب ينتمون الى ايدولوجيات سياسية شتى فمنهم اسلاميون و قوميون و ليبراليون كما أن المدونات العربية - مثلها فى ذلك مثل المدونات الغربية - تنوعت أشكالها و تعددت أنماطها و تراوحت بين التعبير عن المشاعر الذاتية و التحليلات السياسية من ممارسة النقد العنيف للأنظمة السياسية العربية السلطوية الى الثورة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق